ومن مبادئ النبوة مبدأ (الواحد لا يصد إلا عن الواحد) أي إن كل ما له وحدة لا يصدر إلا عن الواحد. وإذا كان بين كل الأشياء وأفراد الكون تعاون واتحاد فلابد أن يكون بإيجاد واحد أحد. فأين هذا المبدأ من مبدأ الفلسفة الذي يقول: (الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد) أي لا يصدر من الواحد إلا الواحد. وأما الأشياء الأخرى فإنما تصدر بالوساطة المتسلسلة عن بعضها. فبذلك تدعى أن الغنى على الإطلاق والقدير المطلق محتاج إلى الوسائط والأسباب.. وإن لها دخلاً في الخلق والإيجاد، فتوزع ملكوت السموات والأرض على تلك الوسائط، وتطلق على الله اسم (العقل الأول) فتقع في شرك عظيم. فإذا كان الإشراقيون الذين لهم قدم راسخ في الحكمة في هذا السخف فكيف أنت بسخف من دونهم من الماديين والطبيعيين.
ومن مبادئ النبوة (إن كل شيء مسبح لله تعالى وموحده) أي إن كل شيء وكل ذي حياة نيط به ما لا يعد من الحكم والفوائد، فإن كان ما يعود إليه منها واحدة فالألوف منها تعود إلى موجدها، فلكل شيء حتى لكل ثمرة من الحكم والوظائف ما يكون لثمار الشجرة جميعها. فأين هذا المبدأ الذي هو عين الحكمة والصواب من مبدأ الفلسفة السخيفة التي تقول: إن حكمة كل ذي حياة ترجع إما إلى نفسه وإما إلى الإنسان. وما مثل هذا إلا كجعل حبة صغيرة كحبة الخردل في رأس دوحة كالجبل الراسي.
وقد شرحنا هذه القضية في (المقالة العاشرة) فلذلك اقتصرنا في القول هنا. ولك أن تقيس على هذه النماذج الأربعة ألوف النماذج.