وَهُوُ كِتَابُ حِكْمَةٍ وَشَرِيعَةٍ وَكِتَابُ دُعَاءٍ وَعُبُودِيَّةٍ كَمَا أَنَّهُ كِتَابُ أَمْرٍ وَدَعْوَةٍ وَكِتَابُ ذِكْرٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْوَاحِدُ الْمُقَدَّسُ الْجَامِعُ لِكُلِّ الْكُتُبِ الَّتِي تُؤَمِّنُ جَمِيعَ حَاجَاتِ اْلإِنْسَانِ الْمَعْنَوِيَةِ، وَهُوَ الْمَرْجَعُ الْوَحِيدُ لأَهْلِ الْمَشَارِبِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمَسَالِكِ الْمُتَبَايِنَةِ حَيْثُ إِنَّهُ أَبْرَزَ لِكُلِّ مِنَ اْلأَوْلِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْعَارِفِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ رِسَالَةً لاَئِقَةً لِمَذَاقِ ذَلِكَ الْمَشْرَبِ وَلِمَسَاقِ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، فَهَذَا الْكِتَابُ السَّمَاوِيُّ أَشْبَهُ بِمَكْتَبَةٍ مُقَدَّسَةٍ.
انظر إلى لمعة إعجاز التكرارات في القرآن التي يتوهم أنها سبب القصور والنقص، وذلك فإن التكرار في غاية الحسن والجمال ولابد منه لأنه كتاب ذكر ودعاء ودعوة، وليس الأمر كما يتوهمه الأغبياء. فإن شأن الذكر بالتكرار هو التنوير.. وشأن الدعاء بالترداد هو التقرير، وشأن الأمر والدعوة بالتكرار هو التأكيد. وإنه لا يمكن لكل أحد أن يقرأ القرآن كله في كل وقت وزمان ولكن يمكن أن يقرأ سورة في غالب الأحيان. لذلك أدرج أهم المقاصد القرآنية في أكثر السور الطويلة؛ فكأن كل سورة قرآن صغير، ولكي لا يبقى أحد محروماً، جاء التوحيد والحشر وقصة موسى وأمثالها من المقاصد مكررة. وأيضاً كما أن حاجات الجسم كثيرة متنوعة كذلك حاجات الروح والقلب كثيرة ومتنوعة يحتاج إليها الإنسان في كل حين، كما يحتاج الجسم إلى الهواء والروح إلى (هُو) ويحتاج إلى البعض منها في كل ساعة مثل «بسم الله الرحمن الرحيم» فجاء تكرار الآيات حسب الاحتياج المكرر، أتى بالتكرار مشيراً إلى ذلك الإحتياج وموقظاً ومشوقاً إليه. وأيضاً، إن القرآن مؤسس وأساس لدين مبين، يبدل الحياة الاجتماعية ويجيب على أسئلة مختلف الطبقات المكررة. لذلك لا بد للمؤسس من التكرار والتأكيد حتى يرسخ في الأذهان كما أنه لا بد للتأييد من التقرير والتحقيق والتكرير. وأيضاً، إنه يبحث عن مسائل عظيمة وحقائق دقيقة فلا بد من تكراره في صور كثيرة حتى يرسخ في قلوب الناس.
ومع هذا كله فإن التكرار إنما هو بحسب الصورة فقط. وأما من حيث الحقيقة فليس هناك تكرار، حيث إن لكل آية معاني كثيرة وفوائد وفيرة ووجوهاً وطبقات متنوعة تذكر في كل مقام لمعنى وفائدة ومقصد.
