أو فلنفرض أن ملكاً يصنع المعجزات والخوارق وأنه يزيل الجبال ويبدّل الممالك، ويجعل البحر براً باشارته المرهونة. يفعل هذا كي يرى قدرته أو يجعل آية للناس يعتبرون بها: ثم بعد ذلك ترى أنه قد تدحرجت صخرة عظيمة إلى الوادي، وسدت طريق الذين يقدمون إلى زيارته، فتعوقهم عن سبيلهم.. فإذا قال لك أحد: إن ذلك الملك لابد من أنه سيحطم تلك الصخرة مهما كانت عظيمة، ولا يتركها، تعوق القادمين إليه عن سبيلهم فلا مناص لك من أن تؤمن بما يقوله.
أو فلنفرض أن قائداً شكل مدة يوم واحد وحدة جيش جرار، إلا أنه بعد ذلك انتشرت أفراده هنا وهناك للراحة والاستجمام.. فإذا قال أحد: إن هذا القائد يمكنه أن يجمع أفراد هذا الجيش وينظمهم بصوت البوق في آن واحد، فلابد من أن تصدقه فيما يقول، حيث إن تكذيبك له سخافة.
فإذا اتقنت هذه الأمثلة فالق سمعك نحو ما أقول وهو: إن النقاش الأزلي إذا كان يحول أمام أعيننا صحيفة الشتاء البيضاء إلى صحيفة خضراء في موسم الربيع والصيف، ويكتب بقلم القدر والقدرة في احسن تقويم على صحيفة الأرض ما ينمو على ثلاثمائة ألف من أنواع النباتات والحيوانات. يكتبها في آن واحد وهي مختلطة متشابكة يشبه بعضها البعض صورة ومادة لا يخطأ في كتابته ولا يسهو.
ويدمج هذا الحكيم الحفيظ خطة أكبر شجرة في بذرة صغيرة أشبه بالنقطة ويحفظها فيها، فهل يقال كيف يحفظ أرواح الموتى؟. وأيضاً إن المولى القدير إذا كان يدير الكرة الأرضية كحجر المقلاع، فلابد من أن لا يتسائل في شأنه، ويقال كيف يزيل الأرض التي هي عثرة في سبيل الذين يذهبون إلى دار الآخرة أو يحعلها دكاء.
وأيضاً إن الخالق ذا الجلال أبدع جيوش ذوي الحياة وأسكن ذراتهم في طوابير الأجساد وبناها بها بأمر ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ فهل ينبغي أن يقال كيف
